مقدمة
أمن الطاقة لم يعد مجرد قضية فنية أو اقتصادية، بل أصبح محورًا استراتيجيًا يحدد مسار التنمية والاستقرار السياسي للدول. في عالم يشهد اضطرابات جيوسياسية متصاعدة، والتزامات بيئية صارمة، وسلاسل إمداد عرضة للمخاطر، بات تأمين مصادر طاقة موثوقة وميسورة ونظيفة ضرورة وطنية. الدكتور أحمد الجبوري – الرئيس التنفيذي لمجموعة طاقة، وخبير الطاقة العالمي – يوضح في هذا المقال لماذا يُعتبر أمن الطاقة ركيزة رئيسية لاستقرار الاقتصادات، وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ما هو أمن الطاقة اليوم؟
مفهوم أمن الطاقة اليوم تجاوز مجرد توفر النفط أو الغاز. إنه يشمل ثلاثية: الوفرة، والقدرة على الوصول، والمرونة أمام الأزمات. تداعيات الحرب والأزمات العالمية، والتقلبات في سياسات أوبك، سلطت الضوء على هشاشة العديد من النظم الطاقية. ولم تعد الدول المصدّرة وحدها المعنية بالأمن الطاقي؛ بل الدول المستوردة أيضًا تدرك أن تنويع مصادر الطاقة وتحقيق الاستقلالية النسبية أمر حيوي. باختصار، أمن الطاقة اليوم يعني القدرة على التكيف السريع مع المتغيرات، من خلال تنويع المصادر، وتعزيز البنية التحتية، وتحديث السياسات.
أولويات أمن الطاقة في الشرق الأوسط
على الرغم من وفرة الموارد، فإن دول الخليج تدرك أهمية تنويع المزيج الطاقي وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات. العراق، المملكة العربية السعودية، والإمارات تسير في مسارات متقدمة توازن بين الاستمرار في تصدير النفط والاستثمار في الطاقة المتجددة. السياسات الحكومية تلعب دورًا حاسمًا في جذب الاستثمارات، وحماية البنية التحتية، وتحفيز الابتكار في مجالات مثل الهيدروجين الأخضر، والطاقة الشمسية، والتخزين الذكي.
كيف يدعم أمن الطاقة الاستقرار الاقتصادي؟
الطاقة المستقرة تعني خفض تكاليف الإنتاج، تقليل التضخم، وزيادة الإنتاج الصناعي. لا يمكن جذب استثمارات كبرى أو إطلاق مشاريع بنية تحتية ضخمة دون شبكة طاقة مستقرة. يؤكد الدكتور الجبوري أن نماذج التنمية المستدامة ترتكز على الطاقة الموثوقة، وأن الدول التي تفشل في تأمين طاقتها لن تتمكن من المنافسة في الاقتصاد العالمي.
بين الأمن والاستدامة: التوازن المطلوب
ليس هناك تعارض حقيقي بين أمن الطاقة وأهداف المناخ. الشركات الرائدة في المنطقة، وعلى رأسها مجموعة طاقة، تثبت أن التخطيط طويل المدى يضمن توازنًا بين الاستقرار البيئي والاقتصادي. إن الاستثمار في تحديث الشبكات، ومصادر الطاقة البديلة، وتقنيات الهيدروجين الأخضر يشكّل أساس هذا التحول الذكي على المدى البعيد.
خاتمة
أمن الطاقة ليس خيارًا ثانويًا؛ بل هو أساس للسيادة الاقتصادية والازدهار المستقبلي. من دول الخليج الغنية بالنفط، إلى المراكز الحضرية التي تستهلك الطاقة، الرسالة واضحة: على الدول أن تستثمر اليوم في منظومة طاقة آمنة ونظيفة ومرنة إذا أرادت قيادة خارطة الاقتصاد العالمي غدًا.