المقدمة
يقال إن القيادة الحقيقية لا تظهر إلا وقت الأزمات – فالكل يستطيع القيادة في أوقات الرخاء. لقد قدتُ مؤسساتي عبر الحروب والانهيارات الاقتصادية وصدمات السوق غير المتوقعة. وقد علّمتني تلك التجارب أن الأزمة فرصة ثمينة لا ينبغي هدرها. إذا أدرنا الشدائد بالشكل الصحيح، يمكنها أن تصبح حافزًا للنمو. فيما يلي خمسة دروس قيادية غالية تعلّمتها لتحويل الفوضى إلى فرصة:
1. التزم الهدوء وقَيِّم الموقف
عندما يهتز كل شيء من حولك، كن اليد الثابتة. القاعدة الأولى في أي أزمة هي مقاومة الهلع. خذ خطوة للوراء، تنفّس بعمق، وقيّم الواقع. في عام 2008، عندما ضربت أزمة مالية كبرى أحد مشاريعنا الكبيرة، جمعت فريقي ووضعت الحقائق أمامهم – بلا تجميل. من خلال التعامل مع الموقف بوضوح ورباطة جأش، حوّلنا انهيارًا محتملاً إلى إعادة هيكلة مدروسة. إن هدوء القائد مُعْدٍ: إذا بقيت راسخًا، سيجد فريقك الثقة وسط العاصفة.
2. تواصَل بشفافية وتعاطف
في الأزمات، الصمت سمٌّ قاتل. يحتاج الناس إلى المعلومات والتوجيه والتطمين. تواصل مبكرًا وبصدق، ولا تتردد في مصارحتهم بالحقائق مهما كانت صعبة. عندما عطّلت أزمة أمنية كبيرة عملياتنا عام 2014، عقدتُ اجتماعات لجميع الموظفين في المواقع المتأثرة، أطلعهم فيها على ما نعرفه وما لا نعرفه. وبنفس القدر من الأهمية، استمعت إليهم – لمخاوفهم ومقترحاتهم واحتياجاتهم. الشفافية تبني الثقة، والتعاطف يوحّد الفريق. تذكّر: لن يهتم موظفوك بمدى ما تعرفه حتى يعرفوا مقدار اهتمامك بهم.
3. تكيّف وابتكر بسرعة
ظروف الأزمات تتغير بسرعة – ويجب أن تتغير معها استراتيجيتك. المرونة تتفوق على البيروقراطية في مثل هذه اللحظات. أعطِ الفرق الصغيرة صلاحيات لاتخاذ قرارات سريعة. شجّع التفكير الإبداعي. خلال جائحة كوفيد-19، واجه أحد فروع شركتنا في قطاع الطاقة انقطاعًا في سلاسل التوريد. وبدلًا من إيقاف العمليات، لجأ مهندسونا إلى مصادر محلية للمكونات، وحتى إلى استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لاستمرار تدفق الطاقة. تعلّمتُ أنه في الأزمات، يتراجع الكمال ليتيح المجال للإبداع. القادة الذين ينجحون هم الذين يغيرون المسار بسرعة، ويحتضنون الابتكار لحل المشكلات الفورية.
4. مَكِّن فريقك وفوِّض الصلاحيات
لا يمكن لأي قائد أن يواجه الأزمة بمفرده. في الواقع، محاولة التحكم بكل تفصيل هي وصفة للإنهاك والاختناق. ثق بفريقك لكي يرتقي إلى مستوى الحدث. في أوقات الاضطراب، أضاعف منح الصلاحيات للمدراء والخبراء في الخطوط الأمامية. في إحدى الحالات الطارئة، شكّلتُ فريق استجابة سريع بقيادة مدير ميداني كفء (وليس أكبر التنفيذيين سنًا) لأنه كان الأكثر دراية بالوضع وحاز ثقة زملائه. النتيجة: حُلَّت المشكلات بسرعة أكبر، وارتفعت معنويات الفريق عندما رأى الجميع أن القيادة مسؤولية مشتركة. امنح فريقك ملكية القرار، وسوف يحققون المعجزات.
5. ابحث عن الفرصة في كل أزمة
قد يبدو ذلك كلامًا تقليديًا، لكنني أؤمن بشدة بأن كل أزمة تحمل في طياتها هدية. يمكن لانهيار السوق أن يكشف عن خلل في الكفاءة يجب إصلاحه. ويمكن لانقطاع التوريد أن يحفّز على تنويع الموردين. عندما تضرر مقر شركتنا واضطررنا إلى لامركزية العمليات، اكتشفنا مواهب محلية جديدة وكفاءات لم نكن لنستغلها لولا الأزمة. درّب نفسك كقائد على أن تسأل: “أين الفرصة هنا؟” هذه العقلية لا تتجاهل ألم الأزمة – لكنها ترفض السماح لذلك الألم بأن يضيع دون فائدة. القادة الصامدون يحولون الشدائد إلى وقود للابتكار والتحسين.
الخاتمة
ستأتي الأزمات وستذهب، لكن مبادئ القيادة الصامدة تبقى. حافظ على هدوئك وصفاء ذهنك، تكلم بالحقيقة بتعاطف، تكيف بسرعة، ادعم فريقك، ولا تتوقف عن البحث عن بصيص الأمل في آخر النفق. لقد شاهدت فرقًا يشتد ترابطها بعد اجتياز العواصف، ومشاريع تعود أقوى بعد انتكاسات كبيرة. عندما تقود وسط الشدائد بشجاعة ووضوح رؤية، فإنك لا تنجو فحسب – بل تمهّد الطريق لمستقبل أقوى. في النهاية، يمكن أن تكون الأزمة أعظم مدرسة للقيادة، تصقل الفرق والقادة ليخرجوا أكثر اتحادًا وابتكارًا، وفي نهاية المطاف لا يمكن إيقافهم.